مجلة تايم- 12/9/1960
في شوارع عمّان المغبرة، حيث تتداخل أصوات المارة والسيارات ووقع خطوات الإبل، كانت الحياة تسير بهدوء صباح ذلك اليوم. أمام وزارة الخارجية، جلس كتّاب العرائض على أرصفة الأرصفة يحررون الطلبات للبدو الأميين المتجهين إلى لقاء رئيس الوزراء في موعده الأسبوعي المعتاد مع المواطنين.
لكن ذلك الصباح العادي انقلب فجأة إلى فاجعة مدوية.
ففي مكتبه بالطابق الثاني من مبنى وزارة الخارجية، قُتل رئيس الوزراء هزاع المجالي، البالغ من العمر 44 عامًا، والمقرّب من الدول الغربية، إثر انفجار قنبلة ضخمة زُرعت داخل درج مكتبه، لتودي بحياته على الفور.
في قصره الصيفي الواقع على تلة تبعد نحو ربع ساعة، تلقى الملك الشاب حسين بن طلال النبأ عبر مكالمة هاتفية مقتضبة. كان الملك البالغ من العمر 24 عامًا قد اعتاد مواجهة الأزمات والاغتيالات والانقلابات منذ صباه. فقد كان شاهدًا، وهو في الثالثة عشرة، على اغتيال جده الملك عبد الله الأول أمام المسجد الأقصى.
وكسابق عهده، أراد الملك الاندفاع فورًا إلى موقع الانفجار، لكن مستشاريه ألحوا عليه بالبقاء، وهو ما أنقذه من الموت، إذ انفجرت بعد دقائق قنبلة ثانية في نفس المبنى، كانت تستهدف فرق الإنقاذ والمحققين.
الملك يواجه العاصفة
رغم ذلك، لم يمنع شيء الملك من التحليق فوق مكان الحادث بمروحيته، ليشاهد موقع الجريمة بنفسه. ثم أعلن تعيين رئيس ديوانه، بهجت التلهوني، رئيسًا للوزراء، وخرج بخطاب إذاعي قال فيه إن المجالي ومن معه “ضحايا عدوان وطعنة غادرة في الظهر”. وخرج بعد ذلك بجولة في شوارع عمّان، استقبله خلالها الناس بالتصفيق، قبل أن يتحدث بألم قائلاً:
“لقد فقدت أخًا أكبر”، ثم لم يتمالك نفسه من البكاء.
في اليوم التالي، صعّد الملك موقفه، معلنًا أن “جهات مسؤولة في الجمهورية العربية المتحدة، وخاصة في سوريا”، كانت على علم مسبق بخطة الاغتيال.
وكانت الحكومة الأردنية قد وجهت قبل أشهر اتهامًا للجنرال المنفي علي أبو نوار، وهو قائد سابق للجيش وصديق مقرب من الملك، بمحاولة اغتيال المجالي من مقر إقامته في دمشق.
خيوط المؤامرة
الملك أوضح أن اثنين من الموظفين الحكوميين، يُعتقد أنهما زرعا القنابل، قد فرا إلى سوريا قبيل الانفجار، وطالب بعودتهما فورًا.
التحقيقات التي تلت الحادث كشفت عن خيوط معقدة؛ إذ ألقت الشرطة القبض على صاحب مكتبة يُدعى صلاح الصفدي، اعترف بأن المتفجرات وصلت من سوريا مخبأة داخل طرود وُصفت بأنها “مواد صحفية”. كما تبيّن أن أحد المنفذين خرج من البلاد عند منتصف الليل، فيما بقي الآخر حتى صباح اليوم التالي ليقبض راتبه الشهري، ثم غادر بحجة الذهاب في “إجازة”.
الهدنة تنهار
حادثة الاغتيال هذه دفعت نحو انهيار الهدنة القصيرة التي تم التوصل إليها بين الملك حسين والرئيس جمال عبد الناصر قبل أسبوع فقط خلال اجتماع لجامعة الدول العربية في لبنان.
وسرعان ما تصاعدت وتيرة الخطاب الإعلامي؛ فقد اتهمت إذاعة عمّان دمشق بأنها “وكر المؤامرات”، فيما ردت “صوت العرب” من القاهرة بالقول:
“موت المجالي ليس النهاية بل البداية. رؤوس الخيانة ستسقط واحدة تلو الأخرى.”
المصدر: